الثلاثاء، 6 أكتوبر 2009

دثرتك

أحب فيك..
أنك دوما تأتيني بغير موعد...
أفتح باب كوخي الصغير لأجدك...
مستندا إلى تعب الرحيل تنظر إلي..
بلا كثير من الشوق فقط..بحنين الذكرى..
كان وجهك هو الذي فاجأني اليوم
بلا مقدمات أتى و لا استدعاء للذكرى.. فقط وجدتك هكذا
تتشكل صورتك في الأفق المالح من أمامي
بعدما أطلت التحديق في الجبل الواقف هناك على أعتاب الماء..
و كنت أفكر..
ربما أستطيع يوما أن أهديك تلك الرؤيا..
أعلم أنها لن تدهشك
فقد رأيت دونها الكثير و الكثير
فقط سأحاول أن أهديك بها سلاما
يوازي ما أهديتني من أحلام
...
للحظة..
خشيت عليك من موت لا تخشاه أنت..
منذ فترة و أنا أعرف...
أنك تستعد للرحيل
ترخي رباط مسؤوليتك عن الآخرين
تهيئ لهم حياة ما بعد انسحابك..
و أعرف
أنك بعد تحب الحياة
و أخشى
يوم تغتالك الجدوى و بحثك عن مبرر للشقاء
و أهيب مما بعد...
...
هيا.. تعا لتستريح
وعدتك يوما
أن بيتي قد يكون استراحتك يوما ما
أو سكنك الأخير
هيا استند إلى الجدار من ورائك
دعني أرتب حاجياتك القليلة و أعد مشروبا دافئا يليق بصحبتك
هاك كوبك
تعرف يا صديقي
أنا الآن أعرف بعد عمر مثقل
أن مغامرتنا الكبرى في الترحال
هي أن نأمن و أن نؤمن
...
و ماذا بعد؟؟
يمكنك أن تأمن إلي
فقط اغمض عينيك
و دع الصبح يغفو على كتفك
غدا يومنا آخر...
...
سلام لروحك المتعبة
و قلبك الخالي من اليقين

سِفر الرحيل


" اللهم أنت الصاحب في السفر
و الخليفة في الأهل..."

القاهرة-الشام
11 شباط 2009























1
البيت
...
ليل..
سكون دافئ
أنفاس أمي.. صوت الحياة
أخشى يوم تفارقني الحياة..
ألتصق بجسدها أكثر و أكثر
أتمنى أن يستوعبني رحمها مرة أخرى
أن نعود واحدا
أرد لها نفسي التي أهدتها لي يوما ما...
كل الأفكار و الأحلام و الذكرى
فقط لنعود كلا واحدا
و لنكن جزءا من تراب الأرض بعدها
أو من وهج الحياة
...
جرس يدق..
ينتزع منها السبات
ينتزعها من ضمتي
تحرر نفسها برفق
برغم الظلام أرى وجهها واجما..
يحصي أيام البعد..
أعرف أن آوان الرحيل قد آن
أحزم آخر الأمتعة......
و أمضي.



2
المطار
...
يا سيدي....
فيما ريبتك...
فما أنا إلا أنا...
نعم، ملامحي اختلفت
أضائها الحب يوما
ثم ارتحل الوهج...
فقدت بضعة كيلوجرامات من جسدي...
حين غادر الأصدقاء و الأخوة مائدة طعامي..
صرت أنحف و أكثر صمتا...
اسمي مبين عندك.. لا يهم اللقب
فأول الرجال تخلى عن بنوتي..
أمومتي
...
أعبر
من بوابة ضاقت لجسد واحد
بلا رفيق ..
بحمولة بالكاد تتسع لأيقونات الوطن...
بمكحلة و عطر..
شال يعانقني
و معطف للمطر و الوحدة
كتاب و دفتر..
أقلام
مذاق الشيكولا بالنعنع
و سجادة صلاة
...
أعبر
بكل أوطاني معي..
بحمولة زائدة
للسنوات
للبيوت
لكل من كنت لهم بيتا.. و كل من كانوا لي أوطانا...
كل الأغنيات و الكلمات..
عبق الذكرى..
محارم كثيرة تضمها حافظتي..
خطها الحب و أقداح القهوة...
يلتصق جسدي بمقعد الطائرة..
أرتفع
أنعتق...
السماء و رفقة الغيم..
رهبة الاقتراب من الله
دفء الاقتراب من الله
رحمة الغمام..
رويدا رويدا يمضي من أرض لأخرى
يتنزل رزقا بكل الألوان
أخضر و أبيض و شفافا رائقا..
يصنع فرحة عاشقين بلا مظلة
يحمل البشر لالتماس الدفء في رفقة الحب..
يعلق بالعشب
تفوح رائحة العرس من الأرض المبتلة
...
الغيم رحمة
ينساب الخشوع في عينيي دمعا
و في صوتي دعوة
لإله الغيم..
و المطر....
...

























3
اللا بيت
...
عابر سبيل.. طرقات... موائد طعام و أسرة للنوم...
تضيق بك جدران الأماكن.. تسألك رحيلا ليحل زائرا آخرا بها..
تتفهمها...
يحتويك الطريق في مدينة قديمة..
تتفحصك أحجارها..
ترى سمتك.. تتعرف على القرابة بينك و بينها..
تشد على يدك و تلهث بك الطرقات...
تركض خلف شعرها الأسود المموج..
صوت ضحكاتها المتواري خلف الأزقة و الخانات...
تفاجئك من بين بحثك في منتصف الطريق
تبتسم لها في فرحة اكتشاف السحر
تهبط يديها رقيقتان على كتفيك
تصلح من ثيابك..
تعطرك برائحة البخور... البن.. بهار الأرض..
و الحجارة المبتلة..
تغافلك... تركض مرة أخرى...
يهدك التعب.. ظلام الطرقات.. فوران المدينة الصبية
تمضي.. بخطى متعرجة نحو فراشك الليلي...
تستقبلك الغربة على باب غرفة
ترتبك.. لا تعرف إن كانت أجيرتك أم أنت أجيرها..
صامتة هي..
صمت المُراقِب و المُراقَب..
هوائها يشغل حيزا كأثاثها..
تفوح منها رائحة مالكها ... تذكرك أنها ليست لك...
لن تأخذ عنك شيئا... لا رائحة ثيابك و لا جسدك...
تدير لك الظهر لتعتني بأيقوناتها الخاصة..
أنكمش
كالأطفال أغمض عيني خوفا...
أستدعي الصباح في سري أن يأتي...
و يأتي..
يبحث عني في فراش لم أمسه..
يمد لي يدا ترفعني عن سجادة صلاتي...
يُقبل ضعفي....
و يلقي بي لأزقة المدينة من جديد........
....


















4
الطريق
...
على الطريق ما بين مدينتين تباغتني طفولتي....
فرح التنقل في سيارة...
على طريق لم تعتاده عيناي
بأغان جديدة..
برفقة صديقين...
أندهش لأمان الغريب في الأرض الغريبة
لسيارة تشبه بيتي...
دافئة مرحبة..
لعينين أصادفهما في المرآة الأمامية..
يحملان لي مشاعرا مختلطة
أبوة غير مقصودة... تَفحُص سائل عن مكنون روحي و حالي..
مرح صديق... لهو فتى.. و شيب من اغترف الحياة و لم يرتوِ...
أبتسم.. فيبتسم
ينشغل عني حينا بالطريق و حينا بالأغنيات...
تحتويه الكلمات و الألحان.. يعيش النغم في دقة اليدين و إيماءات الوجه...
أود لو ربتت يدي على طفولته...
أكتفي بنظرة عميقة... تصل لمبتغاها فيه..
فيهز رأسه في امتنان
....
في المرآة الجانبية.. تطالعني عينيه...
بالحيرة و الصمت...
صمت لا مبالي حينا.. تواق للمزيد حينا آخرا...
برفق... أنزع عنهما غلالة السكوت...
أتفاجئ...
عالم من بهرجة الألوان..
الكثير من الشوق الملون و الانتظار...
توق لاكتمال البدر..
جموح الحياة...
يلحظني..
يتنبه... يوصد بوابات نفسه
و يتابع الطريق..
....

عائدة لتوي من الحلم

صباح جديد.. لا يشبه صباحاتي الفائته في شئ..
صباح وحيد.. بطعم الاشتهاء و الحنين..
من مرقدي.. أعرف أن نهارا جديدا قد جاء..
أحاول أن أبقي عينيي مغمضتين... لئلا تطالعني غربتي من جدران أربعة تلفني...
على الأرض بجانب فراشي شنطة سفر... تقف على استحياء.. تطالع الغرفة في شجن.. تستحثني ببكاء مكتوم فيها و فيّ أن نعود...
و لا عودة...
فأنا رحالة... .. صنعتي –في الأصل- اكتشاف أرض جديدة... لا أسعى لاقامة علاقة مع المكان... الأبنية تحدنا.. تحد من قدرتنا على الاكتشاف و الترحال... البيت يملكك أكثر مما تمتلكه.. و أهل البيت على قدر ما نحتاجهم, نحتاج لآخر نكتشفه.. و نكتشف أنفسنا من خلاله.. نعطيه شيئا منا.. و نأخذ عنه أشياء....

في الماضي اتهمني أحدهم بالقسوة.. حين بحت له برغبتي في الترحال ما بين كل شواطئ الأرض... بأن يكون لي أحبة بكل ميناء أفارقهم لألتقي بأحبة آخرون...
أحبة بكل النكهات...


للبشر نكهات... تماما كمشروبك الساخن المفضل...
مذاق بين شفتيك.. و رائحة للذكرى...

ياسين بنكهة الموكا...
فنجان ساخن.. و أنا جسدي منكمش من برد الاسكندرية في شباط...
الوقت فجرا الا قليل..
يخبئ شفتيه في كوفيه... يحاول أن يحتفظ بحديثه سليما من تكتكة الصقيع...
نعرج على المحل الدافئ.. أستنشق عبق حديثه في رائحة قهوة قوية... و مذاق مر للبن... مذاق من فرط ما أحببت الاحتفاظ به.. لم آكل قطعة الشيكولاتة بجانب الفنجان.....



كانت تمطر..
و كنا في شتاء الحب الأول
عاشقين بلا وطن
كان هو وطني الجوال... وطن بكل أرض.. وطن بغير أرض...
وطن برائحة التعب و سعي المسير...
برائحة الحب
رقصتنا في الحياة لم تكن واحدة.. وقع أقدامنا متغير على ايقاع لاهث لكن... وقتما يوشك يومنا على النوم.. نبطئ.. نتشابه.. يسكن تعبه صدري.. و في سكون يحتويني....


مروة.. لم تعرف لم مدت يدها نحو الأرض و التقطت حفنة من التراب..
أنا كنت أعرف....
لأنها هي الأرض...
رائحة التربة.. قوة الخصب... و شهوة الحناء للرسم...
هي الأنثى الأولى قبل الخلق...
هي الأصل قبل الاختلاف... و الانسانية بكل فورانها و قوتها.. بكل ضعفها و الانهزام... بكل الحب... بكل الحرية و الحياة....

دوما ألقاها في أوطان غير التي جئنا منها أنا و هي...
في سيناء... كانت تدنو من الحزن....
صغيرة تنام في حضورنا جميعا .. لا تعرفني... أستشعر بداخلي حنان أخاذ لها....
أحتضنها في أرض أخرى ساعة الفقد.. الألم...
و في صمت احتوائها أعرف.. أنها تخطو نحو الالتئام....
أمسح عن جرحها الألم... و أحملها معي وطنا على طائرة.....



أما هو... فمن دون الآخرون له صنعة الحلم...

بنكهتي التوت و الفانيلا كان
التوت هو نكهة الحياة الأولي... الضعف الأول.. و البدايات البسيطة...
و الفانيلا هي نكهة الانطلاق و الرحلات البحرية و الحفلات المسائية.. نكهة الشباب.

تكلم عن السفر.. الحرية و الحياة...
شق صدري.. و استخرج حلما تضاءل بقدر ما انكمش.. حلما بالسفر..

كنت و هو نجلس ضمن آخرون..
لم يتسن له رؤية عيناي و هو يتحدث.. لم أكن في زاوية نظره...
و لكنه..
حين رأيته بوطن آخر و آخر..
قال لي أنه في جلستنا الأولى شعر بموجة تسري مني اليه...
عرف لحظتها أني سأكون للحرية....


" يا حبيبي
أنا عصفورة بالساحة
أهلى ندروني للشمس و للطرقات
يا سفر الطرقات
يا صوتك يندهني على المسافات
و يضل يحاكيني بالريح الحزينى"


و مرة أخرى أعود..
للبناء .. للأهل.. لمنزل امتلكني أكثر مما امتلكته....
حقيبة سفري لم تزل مغلقة... أفتحها...
أنثرهم على جدران غربتي لازداد ائتلافا...

في البعد أنا أعرف كيف أعتني بهم

و أعود مرة أخرى للحلم......
2
"محمد" قال لي...
أن الحج ليس مناسكا تقضى..
ما هو إلا الرحيل
عناء الرحيل...
قال لي...
أن الحج أفسدته الطائرات و الطرق السريعة...
الحج هو صبر المسير على جمل..
و خوف من التيه و الضياع..
رهبة الموت.. و نفاذ الزاد
..
لم أقل له..
أن تلك هي الحياة...
و أنني بمفهومه..
حججت بيت الله ألف مرة أو يزيد..
و سعيت كثيرا ما بين صفا و مروة...
و أن بئر زمزم عندي لم يتفجر ماءا..
تفجر بشرا.. رزقا..
و أن الأفراد هم ثروتي الجميلة...
و أنني كهاجر...
حين رغبت بقوة في شيئ ما جديد..
رزقني الله سفرا..
و زادا و أهلا...
و لكني .. مع ذلك كله..
زدت شوقا لابراهيم..
وددت لو يأتي سريعا..
ليرى إنجازي الصغير...
...
و لنرحل سويا من جديد

على سفر ...

1..
صحراء شاسعة... و قافلة - بحجم حبة رمل - تسير...
همهمات تسبيح و شمس...
ذراع يحيط بمقدمة الرأس...
و غربة عن الأرض..
خيط مجدول ما بين الصدر و السماء...
لنا رب..
هو الأمان كله..
هو الحب و الصاحب..
و أنا على هودج..
يجره صحابيَ..
أنتمي له..
هو الوطن بغير أرض..
هو الوطن في كل أرض..
وجود مصهور فيَ
معجون بروحي..
كبيتي القديم .. كحلمي المعتق..
سحابة عود و عنبر
و رحيل هو الصبر
...