الثلاثاء، 6 أكتوبر 2009

عائدة لتوي من الحلم

صباح جديد.. لا يشبه صباحاتي الفائته في شئ..
صباح وحيد.. بطعم الاشتهاء و الحنين..
من مرقدي.. أعرف أن نهارا جديدا قد جاء..
أحاول أن أبقي عينيي مغمضتين... لئلا تطالعني غربتي من جدران أربعة تلفني...
على الأرض بجانب فراشي شنطة سفر... تقف على استحياء.. تطالع الغرفة في شجن.. تستحثني ببكاء مكتوم فيها و فيّ أن نعود...
و لا عودة...
فأنا رحالة... .. صنعتي –في الأصل- اكتشاف أرض جديدة... لا أسعى لاقامة علاقة مع المكان... الأبنية تحدنا.. تحد من قدرتنا على الاكتشاف و الترحال... البيت يملكك أكثر مما تمتلكه.. و أهل البيت على قدر ما نحتاجهم, نحتاج لآخر نكتشفه.. و نكتشف أنفسنا من خلاله.. نعطيه شيئا منا.. و نأخذ عنه أشياء....

في الماضي اتهمني أحدهم بالقسوة.. حين بحت له برغبتي في الترحال ما بين كل شواطئ الأرض... بأن يكون لي أحبة بكل ميناء أفارقهم لألتقي بأحبة آخرون...
أحبة بكل النكهات...


للبشر نكهات... تماما كمشروبك الساخن المفضل...
مذاق بين شفتيك.. و رائحة للذكرى...

ياسين بنكهة الموكا...
فنجان ساخن.. و أنا جسدي منكمش من برد الاسكندرية في شباط...
الوقت فجرا الا قليل..
يخبئ شفتيه في كوفيه... يحاول أن يحتفظ بحديثه سليما من تكتكة الصقيع...
نعرج على المحل الدافئ.. أستنشق عبق حديثه في رائحة قهوة قوية... و مذاق مر للبن... مذاق من فرط ما أحببت الاحتفاظ به.. لم آكل قطعة الشيكولاتة بجانب الفنجان.....



كانت تمطر..
و كنا في شتاء الحب الأول
عاشقين بلا وطن
كان هو وطني الجوال... وطن بكل أرض.. وطن بغير أرض...
وطن برائحة التعب و سعي المسير...
برائحة الحب
رقصتنا في الحياة لم تكن واحدة.. وقع أقدامنا متغير على ايقاع لاهث لكن... وقتما يوشك يومنا على النوم.. نبطئ.. نتشابه.. يسكن تعبه صدري.. و في سكون يحتويني....


مروة.. لم تعرف لم مدت يدها نحو الأرض و التقطت حفنة من التراب..
أنا كنت أعرف....
لأنها هي الأرض...
رائحة التربة.. قوة الخصب... و شهوة الحناء للرسم...
هي الأنثى الأولى قبل الخلق...
هي الأصل قبل الاختلاف... و الانسانية بكل فورانها و قوتها.. بكل ضعفها و الانهزام... بكل الحب... بكل الحرية و الحياة....

دوما ألقاها في أوطان غير التي جئنا منها أنا و هي...
في سيناء... كانت تدنو من الحزن....
صغيرة تنام في حضورنا جميعا .. لا تعرفني... أستشعر بداخلي حنان أخاذ لها....
أحتضنها في أرض أخرى ساعة الفقد.. الألم...
و في صمت احتوائها أعرف.. أنها تخطو نحو الالتئام....
أمسح عن جرحها الألم... و أحملها معي وطنا على طائرة.....



أما هو... فمن دون الآخرون له صنعة الحلم...

بنكهتي التوت و الفانيلا كان
التوت هو نكهة الحياة الأولي... الضعف الأول.. و البدايات البسيطة...
و الفانيلا هي نكهة الانطلاق و الرحلات البحرية و الحفلات المسائية.. نكهة الشباب.

تكلم عن السفر.. الحرية و الحياة...
شق صدري.. و استخرج حلما تضاءل بقدر ما انكمش.. حلما بالسفر..

كنت و هو نجلس ضمن آخرون..
لم يتسن له رؤية عيناي و هو يتحدث.. لم أكن في زاوية نظره...
و لكنه..
حين رأيته بوطن آخر و آخر..
قال لي أنه في جلستنا الأولى شعر بموجة تسري مني اليه...
عرف لحظتها أني سأكون للحرية....


" يا حبيبي
أنا عصفورة بالساحة
أهلى ندروني للشمس و للطرقات
يا سفر الطرقات
يا صوتك يندهني على المسافات
و يضل يحاكيني بالريح الحزينى"


و مرة أخرى أعود..
للبناء .. للأهل.. لمنزل امتلكني أكثر مما امتلكته....
حقيبة سفري لم تزل مغلقة... أفتحها...
أنثرهم على جدران غربتي لازداد ائتلافا...

في البعد أنا أعرف كيف أعتني بهم

و أعود مرة أخرى للحلم......

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق