الثلاثاء، 6 أكتوبر 2009

سِفر الرحيل


" اللهم أنت الصاحب في السفر
و الخليفة في الأهل..."

القاهرة-الشام
11 شباط 2009























1
البيت
...
ليل..
سكون دافئ
أنفاس أمي.. صوت الحياة
أخشى يوم تفارقني الحياة..
ألتصق بجسدها أكثر و أكثر
أتمنى أن يستوعبني رحمها مرة أخرى
أن نعود واحدا
أرد لها نفسي التي أهدتها لي يوما ما...
كل الأفكار و الأحلام و الذكرى
فقط لنعود كلا واحدا
و لنكن جزءا من تراب الأرض بعدها
أو من وهج الحياة
...
جرس يدق..
ينتزع منها السبات
ينتزعها من ضمتي
تحرر نفسها برفق
برغم الظلام أرى وجهها واجما..
يحصي أيام البعد..
أعرف أن آوان الرحيل قد آن
أحزم آخر الأمتعة......
و أمضي.



2
المطار
...
يا سيدي....
فيما ريبتك...
فما أنا إلا أنا...
نعم، ملامحي اختلفت
أضائها الحب يوما
ثم ارتحل الوهج...
فقدت بضعة كيلوجرامات من جسدي...
حين غادر الأصدقاء و الأخوة مائدة طعامي..
صرت أنحف و أكثر صمتا...
اسمي مبين عندك.. لا يهم اللقب
فأول الرجال تخلى عن بنوتي..
أمومتي
...
أعبر
من بوابة ضاقت لجسد واحد
بلا رفيق ..
بحمولة بالكاد تتسع لأيقونات الوطن...
بمكحلة و عطر..
شال يعانقني
و معطف للمطر و الوحدة
كتاب و دفتر..
أقلام
مذاق الشيكولا بالنعنع
و سجادة صلاة
...
أعبر
بكل أوطاني معي..
بحمولة زائدة
للسنوات
للبيوت
لكل من كنت لهم بيتا.. و كل من كانوا لي أوطانا...
كل الأغنيات و الكلمات..
عبق الذكرى..
محارم كثيرة تضمها حافظتي..
خطها الحب و أقداح القهوة...
يلتصق جسدي بمقعد الطائرة..
أرتفع
أنعتق...
السماء و رفقة الغيم..
رهبة الاقتراب من الله
دفء الاقتراب من الله
رحمة الغمام..
رويدا رويدا يمضي من أرض لأخرى
يتنزل رزقا بكل الألوان
أخضر و أبيض و شفافا رائقا..
يصنع فرحة عاشقين بلا مظلة
يحمل البشر لالتماس الدفء في رفقة الحب..
يعلق بالعشب
تفوح رائحة العرس من الأرض المبتلة
...
الغيم رحمة
ينساب الخشوع في عينيي دمعا
و في صوتي دعوة
لإله الغيم..
و المطر....
...

























3
اللا بيت
...
عابر سبيل.. طرقات... موائد طعام و أسرة للنوم...
تضيق بك جدران الأماكن.. تسألك رحيلا ليحل زائرا آخرا بها..
تتفهمها...
يحتويك الطريق في مدينة قديمة..
تتفحصك أحجارها..
ترى سمتك.. تتعرف على القرابة بينك و بينها..
تشد على يدك و تلهث بك الطرقات...
تركض خلف شعرها الأسود المموج..
صوت ضحكاتها المتواري خلف الأزقة و الخانات...
تفاجئك من بين بحثك في منتصف الطريق
تبتسم لها في فرحة اكتشاف السحر
تهبط يديها رقيقتان على كتفيك
تصلح من ثيابك..
تعطرك برائحة البخور... البن.. بهار الأرض..
و الحجارة المبتلة..
تغافلك... تركض مرة أخرى...
يهدك التعب.. ظلام الطرقات.. فوران المدينة الصبية
تمضي.. بخطى متعرجة نحو فراشك الليلي...
تستقبلك الغربة على باب غرفة
ترتبك.. لا تعرف إن كانت أجيرتك أم أنت أجيرها..
صامتة هي..
صمت المُراقِب و المُراقَب..
هوائها يشغل حيزا كأثاثها..
تفوح منها رائحة مالكها ... تذكرك أنها ليست لك...
لن تأخذ عنك شيئا... لا رائحة ثيابك و لا جسدك...
تدير لك الظهر لتعتني بأيقوناتها الخاصة..
أنكمش
كالأطفال أغمض عيني خوفا...
أستدعي الصباح في سري أن يأتي...
و يأتي..
يبحث عني في فراش لم أمسه..
يمد لي يدا ترفعني عن سجادة صلاتي...
يُقبل ضعفي....
و يلقي بي لأزقة المدينة من جديد........
....


















4
الطريق
...
على الطريق ما بين مدينتين تباغتني طفولتي....
فرح التنقل في سيارة...
على طريق لم تعتاده عيناي
بأغان جديدة..
برفقة صديقين...
أندهش لأمان الغريب في الأرض الغريبة
لسيارة تشبه بيتي...
دافئة مرحبة..
لعينين أصادفهما في المرآة الأمامية..
يحملان لي مشاعرا مختلطة
أبوة غير مقصودة... تَفحُص سائل عن مكنون روحي و حالي..
مرح صديق... لهو فتى.. و شيب من اغترف الحياة و لم يرتوِ...
أبتسم.. فيبتسم
ينشغل عني حينا بالطريق و حينا بالأغنيات...
تحتويه الكلمات و الألحان.. يعيش النغم في دقة اليدين و إيماءات الوجه...
أود لو ربتت يدي على طفولته...
أكتفي بنظرة عميقة... تصل لمبتغاها فيه..
فيهز رأسه في امتنان
....
في المرآة الجانبية.. تطالعني عينيه...
بالحيرة و الصمت...
صمت لا مبالي حينا.. تواق للمزيد حينا آخرا...
برفق... أنزع عنهما غلالة السكوت...
أتفاجئ...
عالم من بهرجة الألوان..
الكثير من الشوق الملون و الانتظار...
توق لاكتمال البدر..
جموح الحياة...
يلحظني..
يتنبه... يوصد بوابات نفسه
و يتابع الطريق..
....

هناك تعليق واحد: